يعد مارفن مينسكي واحداً من العلماء والكتّاب البارزين في العديد من حقول علوم الكومبيوتر وخاصة في حقل الذكاء الصناعي (وهذا الحقل يدرس طرق محاكاة وظائف الإدراك في الدماغ البشري من قبل الكومبيوتر) الى الدرجة التي أطلقت عليه تسمية أبو الذكاء الصناعي بسبب دوره الكبير في هذا المجال منذ عقود.
وقد كان لمارفن مينسكي الذي يعمل كبروفيسور في معهد أم آي تي الشهير في أميركا الفضل في تأسيس مختبر الذكاء الصناعي الذي قدم الكثير من الإنجازات المتقدمة في هذا المجال.
وقد كان هذا التميز دافعاً لإجراء الحوار التالي له مع مجلة الدماغ والعقل (Brain & Mind):
*من وجهة نظرك بروفيسور مينسكي ما هي المساهمة التي يمكن لعلوم الكومبيوتر أن تقدمها لدراسة الدماغ والعقل؟
حسناً، من الواضح بالنسبة لي إن علوم الكومبيوتر ستغير حياتنا، ولكن ليس ذلك لكون الأمر متعلقا بالكومبيوتر، ولكن لأنها ستساعدنا على فهم أدمغتنا، لمعرفة ماهية طبيعة المعرفة.
إنها ستعلمنا كيفية تعلم التفكير والشعور، وهذه المعرفة التي سنحصل عليها ستغير رؤيتنا للإنسانية وتمكننا من تغيير أنفسنا، إن علوم الكومبيوتر بصدد إدارة عمليات معقدة، ومن بين أكثر العمليات حولنا تعقيداً نحن.
غباء الحواسيب
لماذا الكومبيوترات غبية جداً؟
إن كماً ضخماً من المعلومات في متناول أيدينا، ولكن لا توجد آلة في الوقت الحاضر تعرف ما يكفيها لفهم بعض الأمور التي تتعلق بحياتنا اليومية، مثل:
1 لا يجب أن تحرك الناس عن طريق دفعهم.
2 إذا ما سرقت شيئاً ما فإن مالكه سيكون غاضباً.
3 يمكنك أن تدفع الأشياء بعصا مستقيمة ولكنك لا تستطيع أن تسحبها بها.
4 عندما تترك شيئاً ما تمسكه بيدك فإنه يسقط باتجاه الأرض (إلا إذا كان بالوناً مليئاً بغاز الهليوم).
5 لا يمكنك تحريك جسم ما بالطلب منه أن يتحرك (رجاءً هلا أتيت الى هنا).
لا يوجد كومبيوتر يعرف مثل هذه الأشياء، ولكن أي طفل طبيعي يعرفها.
وهناك العديد من الأمثلة الأخرى، فالروبوتات تعمل سيارات في المصانع، ولكن لا يوجد روبوت يستطيع صنع فراش أو تنظبف بيتك أو رعاية طفلك، بإمكان الروبوتات أن تحل المعادلات التفاضلية ولكن لا يستطيع روبوت أن يفهم قصة بسيطة للأطفال، يمكن للروبوتات أن تضرب الناس على صدورهم ولكن لا يوجد روبوت يستطيع أن يملأ قدحك بالماء.
حوسبة الادراك
نحن بحاجة الى إدراك المعرفة والى برامج تستطيع أن تستخدم ذلك، إن حوسبة الإدراك تحتاج الى طرق عديدة لتمثيل المعرفة، فتوفير كومبيوتر يلعب الشطرنج أسهل من توفير كومبيوتر يعمل كمدبر منزل لأن مدبر المنزل يتعامل مع عدد كبير من المواقف.
*كم يجب أن يكون حجم قاعدة المعرفة لمثل هذا العمل؟
أعتقد إنها ستكون متوفرة في قرص سي دي واحد بالطبع، ولم تجر حتى الآن تجربة نفسية تشير الى ان الشخص يعرف أكثر مما يحتويه قرص السي دي (650 ميجابايت)، ومع ذلك فمن الصعب أن نخمن كم ميجابايت من المعلومات يعرف الشخص، ولكني أعتقد إنها لن تكون أكثر من ذلك، فحتى لو تذكرت عشرة كتب بتفاصيلها فإن ذلك لن يشغل اكثر من واحد ميجابايت من الذاكرة، ونحن نعلم إن عدداً قليلاً جداً من الناس يحفظون الكتب الصغيرة الحجم عن ظهر قلب.
إن المكونات المادية (hardware) ليست العامل المحدد لبناء الكومبيوتر الذكي، فنحن لسنا بحاجة الى سوبر كومبيوتر للقيام بالمهمة، فالمشكلة هي إننا لا نعلم ماهية البرنامج الذي يجب أن نستخدمه معها، فالكومبيوتر الذي يعمل بسرعة واحد ميجاهرتز قد يكون أسرع من الدماغ ويمكنه أن يقوم بالمهمة الموكلة إليه إذا ما وجد البرنامج الصحيح.
*لماذا لا يوجد كومبيوتر حتى الآن يعمل بالمعرفة الإدراكية؟
هناك عدد قليل جداً من الناس يعملون لحل مشاكل الإدراك في حقل الذكاء الصناعي، أنا شخصياً لا أعرف أكثر من خمسة أشخاص، وربما يوجد هناك عشرة آخرون في مكان ما، ونحن نتكلم فيما بيننا فقط ولا يهتم بهذا المجال أحد آخر، لذلك أعتقد إن هناك خطأ ما في علوم الكومبيوتر.
تطاول على براءات الاختراع
*هل هناك برنامج للذكاء الصناعي يستخدم بحوث الإدراك؟
إن أفضل نظام يعمل على الإدراك هو سايك (CYC) وهو مشروع في ولاية أوستن الأميركية يعتمد على الإدراك ويقوم به باحث مبدع يدعى دوجلاس لانيت وتم تحويله الى شركة تدعى سايك كورب لغرض إنتاجه كاختراع يخضع لحقوق الملكية الفكرية.
إن العديد من علماء الكومبيوتر لديهم أفكار جيدة لا يلبثون أن يحولوها الى أسرار لينتهي بهم المطاف وهم يحولونها الى اختراعات تخضع لحقوق الملكية الفكرية، أنا شخصياً لا أؤمن بحقوق الملكية الفكرية، فقد بات العالم يزداد جنوناً بهذه الأمور حتى وصل الأمر الى أن يحصل بعض الناس على براءات اختراع في الجينات، لماذا؟ هم لم يخترعوها حتى يحصلوا على هذه البراءات.
*هل تمثل برامج الترجمة اللغوية الآلية وبرامج لعب الشطرنج أمثلة جيدة لبرامج ذكية حقيقية؟
كلا بالتأكيد، فتكنولوجيا الترجمة الآلية الحالية ما تزال متخلفة قليلاً عن أي مترجم بشري معقول الجودة لأنها لا تفهم حقيقة ما تترجمه، وهنا نعود لنقول إنها بحاجة الى المعرفة الإدراكية، الى جانب حصولها على المعرفة في المعجم والنحو وغير ذلك من الأمور عن اللغة المترجم منها، والمترجم إليها. في بداية حقل الذكاء الصناعي كان تعليم الكومبيوتر كبقية لعب الألعاب المعقدة شيئاً كبيراً، وقد كتب آرثر صامويل برنامج لعبة عام 1957 مما جعله يذكر على إنه الرائد في ألعاب الكومبيوتر، غير إننا، حسب اعتقادي، لم نتعلم شيئاً على مدى الأربعين عاماً الماضية غير أن نجعل كومبيوتر ديب بلو الذي أنتجته آي بي أم يلعب الشطرنج (الذي هزم لاعب الشطرنج جاري كاسباروف وبطل الشطرنج العالمي) بطريقة أكثر سرعة ولكن من دون اختلاف عن طريقة برامج لعب الشطرنج الأولى.
إن هذه البرامج تلعب بشكل جيد وتستطيع حتى هزيمة بطل العالم الحالي في الشطرنج ولكنها لا تقوم بذلك بذات طريقة لعب العقل البشري.
الادراك البشري
*ما هي العلاقة بين مبدئك (مجتمع العقل) والمعرفة الإدراكية؟
لنأخذ نظام الرؤية البشري على سبيل المثال، ليس هناك كومبيوتر اليوم يستطيع النظر حول الغرفة وصنع خارطة لما تبدو عليه، وهذا عمل يمكن أن يقوم به طفل بعمر أربع سنوات، نحن لدينا برامج تستطيع تمييز الوجوه، والقيام بعملية معالجة وتمييز الرؤية البؤرية، ولكن ليس بالطريقة الراقية التي يقوم بها البشر، ولذلك فإن أدراك الأبعاد من قبل البشر هو مثال جيد على (مجتمع العقل)، هنالك مدى واسع من طرق التعاون، مثل درجة الإنحدار، ورصد الحدود، الضباب، الظلال، التركيز، الإضاءة، الحركة، التباين، الرسم المنظوري، التباعد، ومعرفة التظليل ...الخ، وبرنامج الكومبيوتر عادة يملك طريقة أو اثنتين للقيام بالمهمة، بينما يملك الدماغ البشري مجموعة من الطرق المختلفة لاستخدامها لذات الغرض.
*يبدو إنك تؤمن إن بمقدورنا بناء ذكاء حقيقي في المستقبل، لكن البشر يملكون الإدراك والوعي بذاتهم، هل يمكن للكومبيوترات أن تكون مثلهم؟
من السهل جداً أن تجعل الكومبيوترات واعية لذاتها، فعلى سبيل المثال، كل الكومبيوترات تمتلك ما يسمى بالكومة المنظمة (stack)، وهي مساحة خاصة من الذاكرة يمكن أن يلقي الكومبيوتر نظرة عليها ليعرف أعماله السابقة، إنها مشكلة بسيطة وليست مهمة جداً، المشكلة الحقيقية هي معرفة كيف يعرف العقل أنفسنا، نحن لا نعرف كيف يحدث ذلك، الأشخاص يمتلكون إدراكاً قليلاً حول أنفسهم، ومتى ما حصلت الكومبيوترات على الحد الأدنى من الإدراك فسنعلم ذلك.
*ومتى سيحدث ذلك؟
لن يحصل ذلك أبداً على المستوى الحالي، فالعامة من الناس لا يقدرون البحوث الابتدائية بما يكفي لإصلاح الوضع الحالي، وقد اقترحت مركزاً برازيلياً للعمل على حل مشاكل الإدراك على مدى السنوات العشر القادمة!
*كتابك القادم سيكون حول دور العواطف، هل يمكنك أن تخبرنا عنه؟
العاطفة هي طريقة تفكير مختلفة ليس إلا، فهي قد تستخدم بعض وظائف الجسم، مثلما يحصل عندما نتهيأ للقتال (القلب ينبض بشكل أسرع، الخ)، العواطف ذات قيمة مرتبطة بنجاة الجنس البشري، لنتمكن من التصرف بكفاءة في بعض المواقف، الحيوانات ذات عاطفة أفضل وأسرع وأقوى منا ولذلك، فإن الكومبيوترات الذكية حقاً بحاجة الى أن تكون لديها عواطف، وهذا ليس مستحيلاً أو حتى صعب التحقيق، فمتى ما فهمنا العلاقة بين التفكير والعاطفة والذاكرة سيكون من السهل تطبيق تلك الآليات على شكل برامج كومبيوتر، لقد كان فرويد واحداً من أوائل علماء الكومبيوتر، لأنه درس أهمية الذاكرة، كذلك فهو رائد في اقتراح دور العواطف على الشخصية والسلوك، وإن من المؤسف إن الجميع يعتقدون إن آراءه محصورة في الجنس فقط، لقد كان فرويد منغمساً في عمليات أكثر تعقيداً.
وفقاً لفرويد، فإن العقل منظم مثل الساندويتش، فهو مصنوع من ثلاث طبقات هي طبقة الأنا العليا (super ego) التي تعطينا أدوات الربط ووصف الذات.. الخ. والتي تعلم القيم والأفكار الاجتماعية وطبقة الممنوعات وطبقة المحرمات، والتي نكتسبها من آبائنا، وذلك قد يكون طرازاً لبرنامج كومبيوتر يمتلك شخصية ومعرفة وعاطفة وإدراكاً اجتماعياً وقيوداً أخلاقية.
وقد كان لمارفن مينسكي الذي يعمل كبروفيسور في معهد أم آي تي الشهير في أميركا الفضل في تأسيس مختبر الذكاء الصناعي الذي قدم الكثير من الإنجازات المتقدمة في هذا المجال.
وقد كان هذا التميز دافعاً لإجراء الحوار التالي له مع مجلة الدماغ والعقل (Brain & Mind):
*من وجهة نظرك بروفيسور مينسكي ما هي المساهمة التي يمكن لعلوم الكومبيوتر أن تقدمها لدراسة الدماغ والعقل؟
حسناً، من الواضح بالنسبة لي إن علوم الكومبيوتر ستغير حياتنا، ولكن ليس ذلك لكون الأمر متعلقا بالكومبيوتر، ولكن لأنها ستساعدنا على فهم أدمغتنا، لمعرفة ماهية طبيعة المعرفة.
إنها ستعلمنا كيفية تعلم التفكير والشعور، وهذه المعرفة التي سنحصل عليها ستغير رؤيتنا للإنسانية وتمكننا من تغيير أنفسنا، إن علوم الكومبيوتر بصدد إدارة عمليات معقدة، ومن بين أكثر العمليات حولنا تعقيداً نحن.
غباء الحواسيب
لماذا الكومبيوترات غبية جداً؟
إن كماً ضخماً من المعلومات في متناول أيدينا، ولكن لا توجد آلة في الوقت الحاضر تعرف ما يكفيها لفهم بعض الأمور التي تتعلق بحياتنا اليومية، مثل:
1 لا يجب أن تحرك الناس عن طريق دفعهم.
2 إذا ما سرقت شيئاً ما فإن مالكه سيكون غاضباً.
3 يمكنك أن تدفع الأشياء بعصا مستقيمة ولكنك لا تستطيع أن تسحبها بها.
4 عندما تترك شيئاً ما تمسكه بيدك فإنه يسقط باتجاه الأرض (إلا إذا كان بالوناً مليئاً بغاز الهليوم).
5 لا يمكنك تحريك جسم ما بالطلب منه أن يتحرك (رجاءً هلا أتيت الى هنا).
لا يوجد كومبيوتر يعرف مثل هذه الأشياء، ولكن أي طفل طبيعي يعرفها.
وهناك العديد من الأمثلة الأخرى، فالروبوتات تعمل سيارات في المصانع، ولكن لا يوجد روبوت يستطيع صنع فراش أو تنظبف بيتك أو رعاية طفلك، بإمكان الروبوتات أن تحل المعادلات التفاضلية ولكن لا يستطيع روبوت أن يفهم قصة بسيطة للأطفال، يمكن للروبوتات أن تضرب الناس على صدورهم ولكن لا يوجد روبوت يستطيع أن يملأ قدحك بالماء.
حوسبة الادراك
نحن بحاجة الى إدراك المعرفة والى برامج تستطيع أن تستخدم ذلك، إن حوسبة الإدراك تحتاج الى طرق عديدة لتمثيل المعرفة، فتوفير كومبيوتر يلعب الشطرنج أسهل من توفير كومبيوتر يعمل كمدبر منزل لأن مدبر المنزل يتعامل مع عدد كبير من المواقف.
*كم يجب أن يكون حجم قاعدة المعرفة لمثل هذا العمل؟
أعتقد إنها ستكون متوفرة في قرص سي دي واحد بالطبع، ولم تجر حتى الآن تجربة نفسية تشير الى ان الشخص يعرف أكثر مما يحتويه قرص السي دي (650 ميجابايت)، ومع ذلك فمن الصعب أن نخمن كم ميجابايت من المعلومات يعرف الشخص، ولكني أعتقد إنها لن تكون أكثر من ذلك، فحتى لو تذكرت عشرة كتب بتفاصيلها فإن ذلك لن يشغل اكثر من واحد ميجابايت من الذاكرة، ونحن نعلم إن عدداً قليلاً جداً من الناس يحفظون الكتب الصغيرة الحجم عن ظهر قلب.
إن المكونات المادية (hardware) ليست العامل المحدد لبناء الكومبيوتر الذكي، فنحن لسنا بحاجة الى سوبر كومبيوتر للقيام بالمهمة، فالمشكلة هي إننا لا نعلم ماهية البرنامج الذي يجب أن نستخدمه معها، فالكومبيوتر الذي يعمل بسرعة واحد ميجاهرتز قد يكون أسرع من الدماغ ويمكنه أن يقوم بالمهمة الموكلة إليه إذا ما وجد البرنامج الصحيح.
*لماذا لا يوجد كومبيوتر حتى الآن يعمل بالمعرفة الإدراكية؟
هناك عدد قليل جداً من الناس يعملون لحل مشاكل الإدراك في حقل الذكاء الصناعي، أنا شخصياً لا أعرف أكثر من خمسة أشخاص، وربما يوجد هناك عشرة آخرون في مكان ما، ونحن نتكلم فيما بيننا فقط ولا يهتم بهذا المجال أحد آخر، لذلك أعتقد إن هناك خطأ ما في علوم الكومبيوتر.
تطاول على براءات الاختراع
*هل هناك برنامج للذكاء الصناعي يستخدم بحوث الإدراك؟
إن أفضل نظام يعمل على الإدراك هو سايك (CYC) وهو مشروع في ولاية أوستن الأميركية يعتمد على الإدراك ويقوم به باحث مبدع يدعى دوجلاس لانيت وتم تحويله الى شركة تدعى سايك كورب لغرض إنتاجه كاختراع يخضع لحقوق الملكية الفكرية.
إن العديد من علماء الكومبيوتر لديهم أفكار جيدة لا يلبثون أن يحولوها الى أسرار لينتهي بهم المطاف وهم يحولونها الى اختراعات تخضع لحقوق الملكية الفكرية، أنا شخصياً لا أؤمن بحقوق الملكية الفكرية، فقد بات العالم يزداد جنوناً بهذه الأمور حتى وصل الأمر الى أن يحصل بعض الناس على براءات اختراع في الجينات، لماذا؟ هم لم يخترعوها حتى يحصلوا على هذه البراءات.
*هل تمثل برامج الترجمة اللغوية الآلية وبرامج لعب الشطرنج أمثلة جيدة لبرامج ذكية حقيقية؟
كلا بالتأكيد، فتكنولوجيا الترجمة الآلية الحالية ما تزال متخلفة قليلاً عن أي مترجم بشري معقول الجودة لأنها لا تفهم حقيقة ما تترجمه، وهنا نعود لنقول إنها بحاجة الى المعرفة الإدراكية، الى جانب حصولها على المعرفة في المعجم والنحو وغير ذلك من الأمور عن اللغة المترجم منها، والمترجم إليها. في بداية حقل الذكاء الصناعي كان تعليم الكومبيوتر كبقية لعب الألعاب المعقدة شيئاً كبيراً، وقد كتب آرثر صامويل برنامج لعبة عام 1957 مما جعله يذكر على إنه الرائد في ألعاب الكومبيوتر، غير إننا، حسب اعتقادي، لم نتعلم شيئاً على مدى الأربعين عاماً الماضية غير أن نجعل كومبيوتر ديب بلو الذي أنتجته آي بي أم يلعب الشطرنج (الذي هزم لاعب الشطرنج جاري كاسباروف وبطل الشطرنج العالمي) بطريقة أكثر سرعة ولكن من دون اختلاف عن طريقة برامج لعب الشطرنج الأولى.
إن هذه البرامج تلعب بشكل جيد وتستطيع حتى هزيمة بطل العالم الحالي في الشطرنج ولكنها لا تقوم بذلك بذات طريقة لعب العقل البشري.
الادراك البشري
*ما هي العلاقة بين مبدئك (مجتمع العقل) والمعرفة الإدراكية؟
لنأخذ نظام الرؤية البشري على سبيل المثال، ليس هناك كومبيوتر اليوم يستطيع النظر حول الغرفة وصنع خارطة لما تبدو عليه، وهذا عمل يمكن أن يقوم به طفل بعمر أربع سنوات، نحن لدينا برامج تستطيع تمييز الوجوه، والقيام بعملية معالجة وتمييز الرؤية البؤرية، ولكن ليس بالطريقة الراقية التي يقوم بها البشر، ولذلك فإن أدراك الأبعاد من قبل البشر هو مثال جيد على (مجتمع العقل)، هنالك مدى واسع من طرق التعاون، مثل درجة الإنحدار، ورصد الحدود، الضباب، الظلال، التركيز، الإضاءة، الحركة، التباين، الرسم المنظوري، التباعد، ومعرفة التظليل ...الخ، وبرنامج الكومبيوتر عادة يملك طريقة أو اثنتين للقيام بالمهمة، بينما يملك الدماغ البشري مجموعة من الطرق المختلفة لاستخدامها لذات الغرض.
*يبدو إنك تؤمن إن بمقدورنا بناء ذكاء حقيقي في المستقبل، لكن البشر يملكون الإدراك والوعي بذاتهم، هل يمكن للكومبيوترات أن تكون مثلهم؟
من السهل جداً أن تجعل الكومبيوترات واعية لذاتها، فعلى سبيل المثال، كل الكومبيوترات تمتلك ما يسمى بالكومة المنظمة (stack)، وهي مساحة خاصة من الذاكرة يمكن أن يلقي الكومبيوتر نظرة عليها ليعرف أعماله السابقة، إنها مشكلة بسيطة وليست مهمة جداً، المشكلة الحقيقية هي معرفة كيف يعرف العقل أنفسنا، نحن لا نعرف كيف يحدث ذلك، الأشخاص يمتلكون إدراكاً قليلاً حول أنفسهم، ومتى ما حصلت الكومبيوترات على الحد الأدنى من الإدراك فسنعلم ذلك.
*ومتى سيحدث ذلك؟
لن يحصل ذلك أبداً على المستوى الحالي، فالعامة من الناس لا يقدرون البحوث الابتدائية بما يكفي لإصلاح الوضع الحالي، وقد اقترحت مركزاً برازيلياً للعمل على حل مشاكل الإدراك على مدى السنوات العشر القادمة!
*كتابك القادم سيكون حول دور العواطف، هل يمكنك أن تخبرنا عنه؟
العاطفة هي طريقة تفكير مختلفة ليس إلا، فهي قد تستخدم بعض وظائف الجسم، مثلما يحصل عندما نتهيأ للقتال (القلب ينبض بشكل أسرع، الخ)، العواطف ذات قيمة مرتبطة بنجاة الجنس البشري، لنتمكن من التصرف بكفاءة في بعض المواقف، الحيوانات ذات عاطفة أفضل وأسرع وأقوى منا ولذلك، فإن الكومبيوترات الذكية حقاً بحاجة الى أن تكون لديها عواطف، وهذا ليس مستحيلاً أو حتى صعب التحقيق، فمتى ما فهمنا العلاقة بين التفكير والعاطفة والذاكرة سيكون من السهل تطبيق تلك الآليات على شكل برامج كومبيوتر، لقد كان فرويد واحداً من أوائل علماء الكومبيوتر، لأنه درس أهمية الذاكرة، كذلك فهو رائد في اقتراح دور العواطف على الشخصية والسلوك، وإن من المؤسف إن الجميع يعتقدون إن آراءه محصورة في الجنس فقط، لقد كان فرويد منغمساً في عمليات أكثر تعقيداً.
وفقاً لفرويد، فإن العقل منظم مثل الساندويتش، فهو مصنوع من ثلاث طبقات هي طبقة الأنا العليا (super ego) التي تعطينا أدوات الربط ووصف الذات.. الخ. والتي تعلم القيم والأفكار الاجتماعية وطبقة الممنوعات وطبقة المحرمات، والتي نكتسبها من آبائنا، وذلك قد يكون طرازاً لبرنامج كومبيوتر يمتلك شخصية ومعرفة وعاطفة وإدراكاً اجتماعياً وقيوداً أخلاقية.